ديلويت: ضرورة إيجاد حلول بديلة لتمويل مشاريع رؤوس الأموال في دول مجلس التعاون الخليجي

الأحد 29 مايو 2016

دبي - مينا هيرالد: مما لا شك فيه أن هبوط أسعار النفط لمستويات قياسية قد أصبح حقيقة اقتصادية ستدفع حكومات دول مجلس التعاون الخليجي لوضع قيود على حجم التمويل الحكومي لمشاريع البنية التحتية ورؤوس الأموال الأمر الذي سيضعها أمام خيارات صعبة ليس أقلها خفض الإنفاق الحكومي وإجراء إصلاحات هيكلية.

وفي هذا الإطار، أوضحت سينثيا كوربي، الشريك في خدمات التدقيق والمسؤولة عن مشاريع البنية التحتية والرأسمالية في الشرق الأوسط في ديلويت: ”يجب على حكومات المنطقة إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي بطريقة أفضل لضمان استمرار تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لذلك، يجب على هذه الحكومات أن تسعى لمشاركة القطاع الخاص، وابتكار حلول فعّالة وإيجاد مصادر تمويل بديلة حتى تضمن استمرار قدرتها على تمويل المشاريع الحكومية.“

وقد أكدت ديلويت هذه الحقائق في تقريرها السنوي الذي أصدرته مؤخراً بعنوان ” قوى قطاع الإنشاءات في دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2016: المعادلة التمويلية“. ويمثل هذا التقرير مراجعة شاملة لصناعة الإنشاءات تستند إلى معلومات مستخلصة من عدة استطلاعات ومدعّمة بالمقابلات مع بعض رؤساء الشركات المرموقة في صناعة الإنشاءات العاملة في مختلف دول المنطقة بالإضافة إلى المقالات والمقابلات التي ترصد الاتجاهات الرئيسية في هذه الصناعة مما يجعل من هذا التقرير مادة مرجعية لقيادات الأعمال في هذه الدول.

وجاء في تقرير ديلويت أن الميزانيات التي أعلنت عنها دول المنطقة لعام 2016 تضمنت اقتطاعات بطريقة مدروسة في الإنفاق الحكومي فرضها هبوط أسعار النفط، بالإضافة إلى استحداث مصادر دخل جديدة. فعلى سبيل المثال، تخطط المملكة العربية السعودية لتقليص نفقاتها بنسبة 11% هذه السنة لتصل إلى 227 مليار دولار. وحسب ما ورد في خطة رؤية 2030 التي أعلنت عنها مؤخراً، تسعى المملكة إلى زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليار ريال سعودي (43.5 مليار دولار) إلى 600 مليار ريال سعودي بحلول العام 2020 وإلى واحد ترليون ريال سعودي بحلول 2030. كما تخطط المملكة إلى خصخصة الخدمات الحكومية لتشجيع القطاع الخاص المحلي والدولي على الاستثمار في بعض القطاعات التي توليها المملكة أولوية كبيرة مثل الرعاية الصحية والإسكان والمالية والطاقة. وليس بعيداً عن هذا التوجه الجديد، عمدت المملكة بصورة تدريجية إلى تقليص دعمها للمحروقات وزيادة أسعار الطاقة في محاولة لزيادة إيراداتها الحكومية.

من ناحية ثانية، سوف تسجل دولة الإمارات العربية المتحدة عما قريب أول عجز في حسابها الجاري للمرة الأولى خلال عقود حيث من المتوقع أن تتسع هوة هذا العجز لتصل إلى 129 مليار درهم إماراتي هذه السنة بالرغم من أنها تتمتع باقتصاد الأكثر تنوعاً بين الدول الخليجية. وهذا ما دفع صندوق النقد الدولي على حث دولة الإمارات لإجراء أصلاحات لتعزيز نموها والمضي قُدما في تنويع قاعدتها الاقتصادية. واستطاعت دولة الإمارات توفير مبالغ ضخمة من جراء إلغاء الدعم الحكومي لأسعار الطاقة في 2015.

ليس بعيداً عن دولة الإمارات، تعتزم دولة قطر تقليص إنفاقها الحكومي، وإعادة ترتيب أولويات المشاريع في خطوة لاحقة بعد إصلاحات الدعم الحكومي التي أجرتها في وقت سابق. وتخطط جميع الدول الخليجية لاستحداث ضريبة القيمة المضافة مع بداية العام 2018 بهدف زيادة إيراداتها الحكومية غير النفطية. كما تدرس هذه الدول فرض ضرائب لم تكن معهودة من قبل في هذه الدول مثل ضريبة الدخل وضريبة الشركات، فقد تمثل هذه الضرائب فرصاً مالية أكثر واقعية في المستقبل.

إن حاجة الدول الخليجية الملحّة لتعديل ميزانياتها بما يتناسب مع الواقع الجديد سوف يترك آثاراً سلبية على سوق المشاريع تتمثل في مزيد من البطء في إجراءات طرح مناقصات المشاريع الحكومية، واتخاذ القرارات بشأنها وفي إجراءات الإفراج عن الدفعات المستحقة لمنفذي هذه المشاريع. وتصل قيمة المشاريع المخطط تنفيذها في دول الخليج العربي حتى مايو 2016 إلى 2 ترليون دولار مع وجود أكبر أسواق هذه المشاريع في السعودية ودولة الإمارات، ويستحوذ قطاعا الإنشاءات والنقل على الحصة الأكبر من قيمة هذه المشاريع الحكومية بنسب تصل إلى 52% و 19% على التوالي.

ومن المتوقع أن ترسي الدول الخليجية مجموعة من العقود هذه السنة تبلغ قيمتها 140 مليار دولار مع تراجع بنسبة 17% في قيمة هذه العقود مقارنة بالعام 2015. وتُعتبر أسواق العقود في السعودية الأكثر تضرراً بهبوط أسعار النفط بين الأسواق الخليجية الأخرى حيث هبطت قيمة العقود السعودية 10 مليارات دولار هذه السنة لتقف عند 40 مليار دولار. وبالرغم من هذا التراجع، تبقى السعودية أضخم سوق للمشاريع والأكثر إنفاقاً بين شقيقاتها الخليجية الأخرى. من ناحية ثانية، تشير التوقعات إلى ثبات قيمة العقود التي سترسيها دولة الإمارات، ويعود الفضل في ذلك إلى قوة قطاع الإنشاءات في إمارة دبي. في دولة قطر، يوجد مخزون ضخم من المشاريع المزمع تنفيذها مثل الملاعب الرياضية (الاستادات) والفنادق والسكك الحديدية والطرقات استعداداً لاستضافة كأس العالم لكرة القدم حيث تبلغ القيمة التقديرية لهذه المشاريع 22 مليار دولار. في سلطنة عُمان، من المتوقع أن تحافظ قيمة العقود على استقرارها عند 13 مليار دولار تقريباً. أما دولة الكويت فتنوي تنفيذ العديد من المشاريع لا سيما في قطاعي الإنشاءات والنقل.

وختمت كوربي كلامها بالقول: ”من المتوقع ضخ استثمارات ضخمة لتنفيذ العديد من المشاريع في دول مجلس التعاون الخليجي من الآن وحتى نهاية هذا العقد وذلك استجابة للنمو السكاني الذي سيحتمم على حكومات هذه الدول تحسين البنى التحتية حتى تتمكن المدن من تلبية احتياجات سكانها والنمو كما هو مخطط. وفي الوقت الذي تواجه فيه دول المنطقة عجزاً في ميزانياتها، فإن نجاحها على المدى االبعيد في تنويع مصادر إيراداتها يتوقف بصورة رئيسية على قدرتها على التكيف مع الواقع الجديد، واقتراح حلول مبتكرة وإيجاد حلول تمويلية بديلة لضمان استمرار توفير الاستثمارات المطلوبة.“

أخبار مرتبطة